فصل: (الآية الأولى):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القنوجي:

سورة النور آياتها أربع وستون آية.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير قالا: أنزلت سورة النور بالمدينة.

.[الآية الأولى]:

{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)}.
{الزَّانِيَةُ}: الزّنا: هو وطء الرجل للمرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح.
وقيل: هو إيلاج في فرج مشتهي طبعا محرم شرعا.
والزانية: هي المرأة المطاوعة للزنا، الممكنة منه كما تنبىء عنه الصيغة لا المكرهة. وكذلك {وَالزَّانِي}.
{فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما}: الجلد: الضرب، يقال: جلده إذا ضرب جلده، مثل بطعنه إذا ضرب بطنه ورأسه إذا ضرب رأسه.
{مِائَةَ جَلْدَةٍ}: وهو حد الزاني الحر البالغ البكر وكذلك الزانية.
وثبت بالسنة زيادة على هذا الجلد وهو تغريب عام، وبه قال الشافعي واختصه مالك بالرجل دون المرأة، وجعله أبو حنيفة إلى رأي الإمام.
وأما المملوك والمملوكة فجلد كل واحد منهما خمسون جلدة ولقوله سبحانه: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ} [النساء: 25]، وهذه نص في الإماء، وألحق بهن العبيد لعدم الفارق.
وأما من كان محصنا من الأحرار فعليه الرجم بالسنة الصحيحة المتواترة وبإجماع أهل العلم، وبالقرآن المنسوخ لفظه الباقي حكمه وهو: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة.
وزاد جماعة من أهل العلم مع الرجم جلد مائة.
وقد أوضح الشوكاني ما هو الحق في ذلك في شرحه للمنتقى.
وهذه الآية ناسخة لآية الحبس وآية الأذى اللتين في سورة النساء.
ووجه تقديم الزانية على الزاني أن الزنا في ذلك الزمان كان في النساء أكثر حتى كان لهن رايات تنصب على أبوابهن ليعرفهن من أراد الفاحشة منهن وقيل: وجه التقديم أن المرأة هي الأصل في الفعل وقيل: لأن الشهوة فيها أكثر وعليها أغلب، وقيل: لأن العار فيهن أكثر إذ موضوعهن الحجبة والصيانة فقدم ذكرها تغليظا واهتماما.
والخطاب في هذه الآية للأئمة ومن قام مقامهم، وقيل: للمسلمين أجمعين لأن إقامة الحدود واجبة عليهم جميعا والإمام ينوب عنهم إذ لا يمكنهم الاجتماع على إقامتها.
{وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ}: هي الرقة والرحمة.
وقيل: هي أرق الرحمة.
ومعنى فِي دِينِ اللَّهِ: في طاعته وحكمه، كما في قوله تعالى: {ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف: 76].
ثم قال مثبتا للمأمورين ومهيجا لهم: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}: كما يقول الرجل للرجل يحضه على أمر: إن كنت رجلا فافعل كذا أي إن كنتم تصدقون بالتوحيد والبعث الذي فيه جزاء الأعمال فلا تعطلوا الحدود.
{وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي ليحضره زيادة في التنكيل بهما وشيوع العار عليهما واشتهار فضيحتهما.
والطائفة: الفرقة التي تكون حافة حول الشيء من الطواف. وأقل الطائفة ثلاثة، وقيل: اثنان، وقيل: واحد، وقيل: أربعة، وقيل: عشرة.

.[الآية الثانية]:

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَدًا وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4)}.
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ}: استعار الرمي للشتم بفاحشة الزنا لكونه جناية بالقول ويسمى هذا الشتم بهذه الفاحشة قذفا.
والمراد بالمحصنات النساء، وخصهن بالذكر لأن قذفهن أشنع والعار فيهن أعظم.
ويلحق الرجال بالنساء في هذا الحكم بلا خلاف بين علماء هذه الأمة.
وقد جمع شيخ شيخنا الشوكاني في ذلك رسالة رد بها على بعض المتأخرين من علماء القرن الحادي عشر لما نازع في ذلك.
وقيل: إن الآية تعم الرجال والنساء، والتقدير الأنفس المحصنات، ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى: {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ} [النساء: 24]، فإن البيان بكونهن من النساء يشعر بأن لفظ المحصنات يشمل غير النساء وإلا لم يكن للبيان كثير معنى.
وقيل: أراد بالمحصنات الفروج كما قال: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها} [الأنبياء: 91]، فتتناول الآية الرجال والنساء تغليبا.
وفيه أن تغليب النساء على الرجال غير معروف في لغة العرب.
والمراد بالمحصنات هنا العفائف. وقد مضى في سورة النساء ذكر الإحصان وما يحتمله من المعاني.
وللعلماء في الشروط المعتبرة في المقذوف والقاذف أبحاث مطولة في كتب الفقه منها ما هو مأخوذ من دليل، ومنها ما هو مجرد رأي بحت.
وذهب الجمهور من العلماء إلى أنه لا حدّ على من قذف كافرا أو كافرة.
وقال الزهري وسعيد بن المسيب وابن أبي ليلى: إنه يجب عليه الحد وكذا ذهبوا إلى أن العبد يجلد أربعين جلدة.
وقال ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وقبيصة: يجلد ثمانين جلدة.
قال القرطبي: وأجمع العلماء على أن الحر لا يجلد للعبد إذا افترى عليه لتباين مرتبتهما.
وقد ثبت في الصحيح عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إن من قذف مملوكة بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال».
ثم ذكر سبحانه شرطا لإقامة الحد على من قذف المحصنات، فقال: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ}: يشهدون عليهن بوقوع الزنا منهن.
ولفظ {ثُمَّ} يدل على أنه يجوز أن تكون شهادة الشهود في غير مجلس القذف، وبه قال الجمهور وخالف في ذلك مالك.
وظاهر الآية أنه يجوز أن يكون الشهود مجتمعين ومفترقين وخالف في ذلك الحسن ومالك، وإذا لم يكمل الشهود أربعة وأبوا قذفه يحدون حد القذف.
وقال الحسن والشعبي: لا حد على الشهود ولا على المشهود عليه، وبه قال أحمد وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن. ويرد ذلك ما وقع في خلافة عمر رضي اللّه عنه من جلده للثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة.
{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً}: الجلد: الضرب كما تقدم، والمجالدة: المضاربة في الجلود أو بالجلود ثم استعير للضرب بالعصا والسيف وغيرهما.
{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَدًا}: أي فأجمعوا لهم بين الأمرين الجلد وترك قبول الشهادة، لأنهم قد صاروا بالقذف غير عدول بل فسقة كما حكم اللّه به عليهم بقوله: {وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4)} هذه جملة مستأنفة مقررة لما قبلها.
والقول الثاني: أن يكون الاستثناء من قوله تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَدًا} أي إلا من تاب، فإنه تقبل شهادته.
وهذا قول مسروق وعطاء ومجاهد، وطاووس.
ويروى عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك، وهذا قول أهل المدينة.
والقول الثالث: يروى عن الشعبي أنه قال: الاستثناء من الأحكام الثلاثة.
فإذا تاب وظهرت توبته لم يحدّ، وقبلت شهادته، وزال عنه التفسيق، لأنه قد صار ممّن يرض من الشهداء، وقد قال عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهْتَدى (82)}.
والفسق: هو الخروج عن الطاعة ومجاوزة الحد بالمعصية.

.[الآيات: الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة]:

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)}.
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ} يشهدون بما رموهن به من الزنا.
{إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ}: التي تزيل عنه حد القذف.
{أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)}: في ما رماها به من الزنا.
{وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7)}: في ذلك.
{وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ}: الدنيوي، وهو الحد.
{أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ} أي الزوج، {لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ} الزوج، {مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} فيما رماها به من الزنا.
وتخصيص الغضب بالمرأة للتغليظ عليها لكونه أصل الفجور ومادته، ولأن النساء يكثرن اللعنة في العادة، ومع استكثارهن منها لا يكون له في قلوبهن كبير موقع بخلاف الغضب.
وفي الملاعنة أحاديث كثيرة.
وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود قالوا: لا يجتمع المتلاعنان أبدا.
وقد بسطنا الكلام على ذلك في «شرحنا لبلوغ المرام» فليرجع إليه.

.[الآية السابعة]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)}.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} زجر اللّه سبحانه عن دخول البيوت بغير استئذان، لما في ذلك من مخالطة الرجال للنساء فربما يؤدي إلى الزنا أو القذف، فإن الإنسان يكون في بيته ومكان خلوته على حالة قد لا يجب أن يراه عليها غيره فنهى اللّه سبحانه عن دخول بيوت الغير إلى غاية هي قوله: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}: الاستئناس: الاستعلام والاستخبار أي حتى تستعلموا من في البيت.
والمعنى: حتى تعلموا أن صاحب البيت قد علم بكم وتعلموا أنه قد أذن بدخولكم، فإذا علمتم ذلك دخلتم.
وقيل: الاستئناس الاستئذان.
وقال الطبري: قال آخرون معنى الآية: حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح والتنخم وما أشبهه، وتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها: قد بينه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأن يقول: السلام عليكم أأدخل؟ مرة أو ثلاثا.
واختلفوا هل يقدم الاستئذان على السلام أو العكس؟ فقيل: يقدم الاستئذان فيقول: أأدخل سلام عليكم، لتقديم الاستئناس في الآية على السلام.
وقال الأكثرون: إنه يقدم السلام على الاستئذان فيقول: السلام عليكم أأدخل؟
وهو الحق، لأن البيان منه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للآية كان هكذا.
وقيل: إن وقع بصره على إنسان قدم السلام وإلا قدّم الاستئذان.
{ذلِكُمْ}: أي الاستئناس والتسليم، أي دخولكم معهما.
{خَيْرٌ لَكُمْ}: من الدخول بغتة.
{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)}: أن الاستئذان خير لكم، والمراد بالتذكر الاتعاظ والعمل بما أمروا به.